قام ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، كعادة المرشحين الأميركيين بزيارةِ إسرائيل، وكان الهدف من تلك الزيارة تأكيد أنه "الصديق الأقرب" لها، وظهر ذلك من خلال تصريحاته بأن القضيّة ذات الأولويّة هي الاعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة وليس إقامة دولة فلسطينيّة، وأعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعتبر أن تصدي واشنطن للبرنامج النووي الإيراني واجب أخلاقي، مؤكدًا على ضرورة منعها من الحصول على النووي، وأن هذا هو الهدف الأكبر للولايات المتحدة الأميركيّة، مؤيدًا في ذلك موقف نتنياهو من إيران. في حين ذهب أحد مساعديه أبعد من ذلك، معلنًا تأييد رومني لتوجيه ضربة إسرائيليّة أحاديّة لإيران، لأن العقوبات الديبلوماسيّة والاقتصاديّة لا تجدي ولا تؤخر برنامج إيران النووي قيد أنملة، وشارك إسرائيل مخاوفها من التطورات في دول الجوار، مثل مصر وسوريا، وفضّل ألا يلتقي الرئيس عبّاس وألا تلتقط له صور معه، حتى يبدو ملكًا أكثر من الملك، ولكي لا يثير غضب إسرائيل والناخبين اليهود.
وأقام رومني خلال زيارته حفلًا انتخابيًّا تبرع فيه أثرياء يهود لحملته الانتخابيّة، حيث بلغت تذكرة الحضور لهذا الحفل 60 ألف دولار للشخص الواحد.
قبل زيارة رومني، جاءت هيلاري كلينتون إلى إسرائيل، ومن قبلها توم دونيلون، مستشار أوباما للأمن القومي، وأكدا، وقبلهما وبعدهما، الرئيس أوباما على الدعم المطلق وغير المسبوق لإسرائيل في عهد الإدارة الحاليّة. ووقع أوباما اتفاقيّة مع إسرائيل تعزز التعاون العسكري والأمني بين البلدين، في توظيف سافر للموقع الرئاسي في الحملة الانتخابيّة، وأهميّة هذه الاتفاقيّة لا تقتصر على قيمتها الماليّة، بل على مغزاها كونها تمنح إسرائيل أسلحة متقدمة تحصل عليها لأول مرة.
ما يفعله رومني وأوباما مشهد مفهوم ومكرر في كل انتخابات رئاسيّة أميركيّة، حيث يتنافس المرشحون على إظهار من هو الأكثر دعمًا وولاءً لإسرائيل، ولكن ما هو غير مفهوم، هو موافقة رئيس الحكومة سلام فيّاض على عقد لقاء مع رومني في مقر إقامته بالقدس، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا وبحاجة إلى إجابات، هي:
لماذا لم يُطالب فيّاض على أن يُدرَجَ ضمن جدول زيارة رومني لقاء مع الرئيس، لئلا يُفسر لقاؤه برومني في سياق اللعب في المياه العكرة، ومحاولة إيجاد فصل مصطنع ما بين الرئيس ورئيس حكومته، بعد أن بدر ما يشير إلى أن بعض الأوساط الأميركيّة بدأت تلوّح أن الثاني يمكن أن يكون بديلًا عن الأول، الذي أصبح بقدرة قادر غير معني بالسلام، وفقًا لما صرح به أوباما أثناء لقائه بزعماء اليهود الأميركيين، لأنه لم يقبل باستئناف المفاوضات الثنائيّة العبثيّة وفقًا للشروط الأميركيّة الإسرائيليّة؟
لماذا من المهم أن يعقد فيّاض مثل هذا اللقاء مع رومني، الذي يقوم بزيارة مخصصة لدعم إسرائيل، وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، خصوصًا بالسياق الذي تمت به؟
لماذا لم يصر فيّاض على استقبال رومني في مقر الحكومة في رام الله أو في أريحا أو بيت لحم، كما يفعل المرشحون للرئاسة الأميركيّة عادة، حيث يزورون الأراضي الفلسطينيّة، ويلتقون المسؤولين الفلسطينيين في مقراتهم، وكما فعل باراك أوباما عندما زار، أثناء حملته الانتخابيّة الأولى، مقر المقاطعة والتقى الرئيس "أبو مازن"؟ إن تجاهل لقاء الرئيس ليس مسألة تضارب في المواعيد، بل هو عمل مقصود من رومني لإظهار أنه أكثر ولاء لإسرائيل من أوباما. ولماذا يقبل فيّاض أن يستخدم بهذا الشكل؟
ألا يستدعي الحصاد المر للمراهنة على الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في كل مرة، وعلى الرئيس عندما يكون في فترته الرئاسيّة الثانية، المراجعة الفلسطينيّة والعربيّة مرة واحدة إلى الأبد؛ للإقلاع عن الوهم الجديد الذي بدأ يطل برأسه من خلال التفكير بتأجيل التوجه إلى الأمم المتحدة، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، على أساس أن أوباما في فترته الثانية، إن فاز، لن يكون أفضل من أوباما في رئاسته الأولى، وإذا حاول أن يفعل شيئًا حاسمًا سيرتد مثلما ارتد في فترة رئاسته الأولى حينما تراجع تراجعًا ذليلًا عدة مرات عن الوعود التي أطلقها في بداية عهده.
لقاء هنيّة – مرسي تجاوزٌ للمسافة الواحدة
مفهوم أن تشعر السلطة الفلسطينيّة بالاستياء البالغ من اللقاء والنتائج التي خرج بها لقاء الرئيس المصري محمد مرسي مع إسماعيل هنيّة رئيس حكومة "حماس"، فهو رئيس الحكومة المقالة ورئيس حكومة لم يكلفه الرئيس بتشكيلها وفقًا للقانون الأساسي، كما لم تحصل على الثقة من المجلس التشريعي شأنها شأن حكومة سلام فيّاض.
الصدمة ناجمة عن كون هذا اللقاء في القصر الجمهوري بالقاهرة جاء بعد الأجواء الإيجابيّة الناجمة عن لقاء عبّاس – مرسي، الذي كان الأول من نوعه مع قيادي فلسطيني والثاني مع رئيس عربي بعد لقائه بالرئيس التونسي، وعن تصريحات الرئيس المصري حول عزمه على إتمام المصالحة ورفع الحصار عن غزة ووقوفه على مسافة واحدة من الأطراف الفلسطينيّة.
لقد تغيّر الموقف بصورة ملموسة بعد توجيه الدعوة لـ "أبو العبد"، واستقباله وكأنه رئيس حكومة شرعي، وذلك بعد اللقاء الذي عقده مرسي مع وفد "حماس" برئاسة خالد مشعل، في إشارة غير مفهومة، وكأن غزة يمثلها هنيّة، وأن مشعل لا يمثل كل "حماس"، وهذه مسألة إشكاليّة بحاجة إلى تفسير أو معالجة قبل أن تعتبر سقطة لم يكن للرئيس المصري أن يقع بها في بداية عهده الرئاسي.
كان من الممكن أن يشارك هنيّة في وفد "حماس" برئاسة خالد مشعل، مثلما فعل الزهار وغيره من قيادة "حماس" في غزة.
بالرغم من ذلك، لم تصل نتائج الزيارة إلى مستوى الآمال والتوقعات التي عبّر عنها هنيّة بشكل واضح هو ومن رافقه بأنها بداية لمعركة الخلافة، وأنها سترفع الحصار كليًّا، وستؤدي إلى إقامة مناطق صناعيّة، وفتح معبر تجاري، وعودة الممثليّة المصريّة إلى غزة، وأنها ستبحث "العلاقة بين البلدين"، وإنما انتهت إلى تخفيف الحصار عبر الإعلان عن فتح معبر رفح لمدة اثنتي عشرة ساعة بدلًا من سبع ساعات، ومساعدة غزة على حل أزمة الكهرباء، وتشكيل لجنة للبحث في العواقب القانونيّة والسياسيّة لفتح معبر تجاري.
إن الحصار جريمة، ورفعه مطلبٌ شرعي يجب ألا يربط بأي شيء آخر، بما في ذلك بإتمام المصالحة، مع أهميّة العمل على إتمامها، حتى لا يصب رفع الحصار، وإن بشكل غير مقصود، في تعزيز الانقسام.
إن استمرار وتعميق الانقسام سيقود الأطراف الفلسطينيّة أولًا والعربيّة والدوليّة ثانيًا إلى التعايش معه، ثم الاعتراف بأطرافه ولو بعد حين، لأن الأمر الواقع أقوى من الرغبات والتمنيات، وهذا يتحمل مسؤولياته الأطراف الفلسطينيّة المتسببة بالانقسام، وعدم توافر الإرادة السياسيّة الحقيقيّة لديها لإنهائه، ولكن هذا لا يعفي مصر، وهي الدولة القائدة والراعية لملف المصالحة، من مسؤولياتها وعدم الوقوع في أي أمر من شأنه تعزيز الانقسام، خصوصًا في مرحلة جديدة دخلتها بعد ثورة 25 يناير، وسقوط نظام حسني مبارك، ونجاح أول رئيس مصري عبر صناديق الاقتراع. مرحلة من المفترض أنها قد فتحت آفاقًا رحبة إستراتيجيّة للتعاون الفلسطيني المصري على أسس أفضل بكثير عما كان سابقًا.
وإذا أراد مرسي أن يقلل من حجم الأضرار المترتبة على لقائه بهنيّة، عليه أن يعالج هذا الأمر بتوضيح أن لقاءه بهنيّة بوصفه أحد قادة "حماس"، ويمكن أن تكون المعالجة أيضًا بدعوة رئيس الحكومة سلام فيّاض؛ لكي يحافظ الرئيس المصري على المسافة الواحدة بين الأطراف المختلفة، وحتى لا يرفع التوقعات لدى بعض قادة "حماس" بأن مصر الجديدة ستقف مع "حماس" ضد منافستها "فتح"، ما ينعكس سلبًا على نجاح الجهود الرامية إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإنجاز المصالحة الوطنيّة.
[عن جريدة "السفير" اللبنانية]